حين تصبح جراحات السمنة بلا جدوى: لماذا يفشل البعض في الحفاظ على الوزن بعد العملية؟

في عالم يبحث فيه الكثيرون عن حلول سريعة لفقدان الوزن، تكشف الدراسات أن جراحات السمنة ليست سوى البداية، وليست الحل النهائي. الفارق الحقيقي بين من يحافظ على وزنه بعد العملية ومن يستعيده لا يكمن في نوع الجراحة، بل في الالتزام بتغيير نمط الحياة، والعلاقة مع الطعام، والنشاط البدني المستمر. فهل الجراحة وحدها تكفي، أم أن فقدان الوزن الدائم يحتاج إلى أكثر من مجرد مشرط الجراح؟

حين تصبح جراحات السمنة بلا جدوى: لماذا يفشل البعض في الحفاظ على الوزن بعد العملية؟
جراحات السمنة ليست حلًا سحريًا! لماذا يبقى تغيير السلوك والعلاقة مع الطعام هو العنصر الحاسم في فقدان الوزن الدائم؟


في الوقت الذي تحظى فيه جراحات السمنة بشعبية متزايدة في السعودية كحل سريع لمشكلة الوزن الزائد، تكشف الدراسات الحديثة عن واقع أكثر تعقيدًا. النجاح في فقدان الوزن لا يُقاس بمجرد إجراء العملية، بل بقدرة الشخص على تبني سلوكيات جديدة والمحافظة عليها. بين من أجروا الجراحة ونجحوا في الحفاظ على أوزانهم، وبين من خضعوا لنفس العملية وانتهوا بالعودة إلى نقطة الصفر، هناك فجوة عميقة لا تملؤها العمليات الجراحية وحدها، بل الإرادة، والالتزام، والتغيير الحقيقي في نمط الحياة.

جراحات السمنة: حل أم فخ مؤقت؟

يعتقد كثيرون أن جراحة السمنة هي الحل النهائي لمشكلات الوزن الزائد، متجاهلين حقيقة أن نجاحها لا يرتبط فقط بالإجراء الجراحي نفسه، بل بما يحدث بعده. دراسة "Comparing Lifestyle and Behavior of Post-Bariatric Surgery and Participants with Obesity" التي اعتمدت على بيانات أكثر من 15,000 مشارك، وجدت أن هناك تباينًا هائلًا بين الأشخاص الذين أجروا عمليات السمنة واستطاعوا الحفاظ على أوزانهم، وأولئك الذين استعادوا الوزن المفقود بعد فترة قصيرة.

الفارق الأساسي؟ لم يكن في نوع العملية، بل في نمط الحياة والسلوكيات الغذائية بعد الجراحة. المشاركون الذين التزموا بنظام غذائي متوازن، وحرصوا على ممارسة الرياضة، وتجنبوا العادات الغذائية السيئة، استطاعوا تحقيق نتائج طويلة الأمد. أما من تعاملوا مع الجراحة كحل سحري دون تغيير جذري في أسلوب حياتهم، فقد وجدوا أنفسهم أمام تحدٍ جديد: استعادة الوزن وربما اكتساب المزيد.

مقارنة بين الفئات: من يحافظ على الوزن، ومن يستعيده؟

عند تحليل الفروقات بين من نجحوا في المحافظة على فقدان الوزن ومن لم ينجحوا، كشفت الدراسة عن عوامل جوهرية تلعب دورًا حاسمًا في النتيجة النهائية:

  • مستوى النشاط البدني: من حافظوا على أوزانهم كانوا أكثر التزامًا بممارسة التمارين الرياضية مقارنة بمن استعادوا الوزن بعد الجراحة.
  • العادات الغذائية: الأشخاص الذين استمروا في تناول الأطعمة غير الصحية والمشروبات المحلاة بعد العملية كانوا أكثر عرضة لاستعادة الوزن.
  • الصحة النفسية: أولئك الذين يعانون من القلق والاكتئاب كانوا أكثر عرضة لتناول الطعام العاطفي، مما ساهم في فشلهم في الحفاظ على الوزن.
  • التدخين: ارتبط التدخين - وخاصة تدخين الشيشة - بمعدلات أعلى من استعادة الوزن بعد العملية.

التدخلات الجراحية ليست كافية: لماذا يعود الوزن بعد الجراحة؟

دراسة أخرى بعنوان "Comparative Analysis of Lifestyle Behaviors and Dietary Intake among Obese and Non-Obese Individuals Following Bariatric Surgery" أكدت أن نسبة كبيرة من الذين أجروا جراحات السمنة لم يتمكنوا من الحفاظ على نتائجها. على الرغم من فقدان الوزن في البداية، فإن 33% منهم عادوا إلى حالة السمنة بعد فترة قصيرة.

لماذا يحدث ذلك؟ لأن العملية الجراحية تغير حجم المعدة، لكنها لا تغير العقل. دون إعادة تشكيل العلاقة مع الطعام، ودون بناء عادات صحية مستدامة، فإن الجسم يجد طرقًا للعودة إلى وزنه السابق، سواء من خلال زيادة استهلاك السعرات الحرارية أو عبر التكيف الأيضي الذي يؤدي إلى تقليل معدل الحرق.

النتيجة الحقيقية: السلوك أهم من الجراحة

إذا كان هناك درس أساسي يمكن استخلاصه من هذه الدراسات، فهو أن فقدان الوزن المستدام لا يتحقق عبر المشرط الجراحي وحده، بل عبر التحولات السلوكية العميقة. الالتزام بتغيير نمط الحياة، والابتعاد عن الحلول السريعة، والاستثمار في بناء عادات غذائية وحركية صحية، هو ما يحدد ما إذا كانت الجراحة ستنجح أم ستتحول إلى تجربة مؤقتة يتبعها إحباط واستعادة للوزن.

الرياضة ليست رفاهية: حين يصبح النشاط البدني مفتاح التغيير الحقيقي

هناك خرافة شائعة يتبناها كثير ممن يخوضون رحلة إنقاص الوزن بعد جراحات السمنة أو بدونها، مفادها أن الرياضة مجرد عامل مساعد، خيار جانبي يمكن تعويضه بتعديل النظام الغذائي وحده. لكن الواقع يثبت أن الرياضة ليست مجرد نشاط تكميلي، بل هي الركيزة الأساسية لاستدامة فقدان الوزن ومنع استعادته، بل وأكثر من ذلك: هي العنصر الحاسم في إعادة برمجة الأيض، وإحداث تغيير حقيقي في تكوين الجسم، وتحقيق تحولات صحية تتجاوز مسألة الوزن المجرد.

الرياضة ليست مجرد حرق سعرات حرارية، بل هي عملية إعادة ضبط شاملة لوظائف الجسم. عندما تمارس نشاطًا بدنيًا منتظمًا، لا تقتصر الفائدة على الطاقة التي تحرقها خلال التمرين فقط، بل يمتد التأثير إلى رفع معدل الأيض الأساسي حتى بعد انتهاء النشاط. وهنا تأتي أهمية الاستمرارية، فتمرين واحد لن يُحدث فرقًا، لكن تحويل الرياضة إلى نمط حياة هو ما يغيّر معادلة الوزن والصحة على المدى الطويل.

من التجربة الشخصية، وجدت أن نوعًا واحدًا من التمارين – إذا تم الالتزام به بشكل منتظم – قادر على إحداث تحولات ملموسة، شرط أن يُمارس بحد أدنى من الزمن والشدة. السباحة أو التجديف، بمعدل لا يقل عن 40 دقيقة، ولمدة 4 إلى 5 أيام أسبوعيًا، كفيلة بتفعيل الأيض بعمق، وتحفيز الجسم على حرق الدهون بكفاءة. أقل من 40 دقيقة قد لا يكون كافيًا لتحقيق التأثير المطلوب، بينما رفع المدة إلى 60 دقيقة يحقق نتائج مضاعفة من حيث استهلاك الطاقة وتحفيز فقدان الوزن.

لكن الأهم من مدة التمرين هو نوعه. هناك اعتقاد شائع بأن تمارين المقاومة ورفع الأوزان الشديدة ضرورية لأي برنامج لياقة، لكن في حالة فقدان الوزن – خصوصًا بعد جراحات السمنة – فإن تمارين الكارديو ذات المقاومة المعتدلة، مثل السباحة والتجديف، تكون أكثر فاعلية وأقل إجهادًا للجسم. هذه التمارين ترفع من مستوى اللياقة القلبية والتنفسية، وتعزز استخدام الدهون كمصدر رئيسي للطاقة، دون التسبب في إجهاد زائد قد يعرقل رحلة فقدان الوزن.

تحويل الرياضة إلى عادة لا يعني مجرد تخصيص وقت لها، بل يعني إعادة تشكيل علاقتك بها. أن تصبح جزءًا من يومك مثل أي عادة أساسية أخرى، أن تتحول من "مهمة" إلى "متنفس"، ومن "واجب" إلى "رغبة". هنا فقط، يصبح فقدان الوزن نتيجة طبيعية، وليس معركة دائمة بين الحمية والحرمان.

حين يصبح الطعام صديقًا لا عدوًا: إعادة تعريف علاقتنا مع الأكل

هناك معركة خفية يخوضها كل من يسعى إلى إنقاص الوزن بعد جراحات السمنة، أو حتى من يحاول ضبط وزنه بطرق تقليدية، لكنها ليست معركة مع الطعام ذاته، بل مع علاقتنا به. المشكلة الحقيقية ليست في السعرات وحدها، ولا في نوعية الغذاء فقط، بل في كيفية تعاملنا النفسي والسلوكي مع الأكل، في كونه استجابة عاطفية أكثر من كونه حاجة بيولوجية، في كونه وسيلة ترفيه وهروب أكثر من كونه وسيلة تغذية وبناء. لذلك، فإن أي محاولة جادة لإنقاص الوزن والمحافظة عليه يجب أن تبدأ بإعادة تعريف علاقتنا بالطعام، ليس عبر الحمية المؤقتة، بل عبر تغيير جذري في الطريقة التي نفكر بها عند اختيار ما نأكل.

القانون الأول: السكر ليس خيارًا
كل منتج يحتوي على سكر مضاف أو سكريات بسيطة يجب أن يُلغى نهائيًا من المعادلة. ليس تقليلًا، وليس "تناول القليل منه في المناسبات"، بل قرار صارم بأن السكر المُضاف ليس طعامًا، بل هو عامل رئيسي في تدمير الأيض، ورفع مقاومة الإنسولين، وإبطاء فقدان الوزن. المشكلة ليست فقط في السعرات الحرارية التي يوفرها السكر، بل في تأثيره البيوكيميائي على الجسم، في كونه يحفز إفراز الإنسولين بشكل مستمر، ويخلق دوائر من الجوع الكاذب، والإدمان على الطعم الحلو، والانهيارات المفاجئة في الطاقة التي تدفعك إلى استهلاك المزيد.

القانون الثاني: البروتين والكربوهيدرات المعقدة هي الأساس
يجب أن يكون البروتين هو العنصر الأكثر حضورًا في كل وجبة، لأنه لا يشبع فقط، بل يحافظ على الكتلة العضلية، ويعزز عملية الأيض، ويقلل من الرغبة في تناول الطعام غير الضروري. إلى جانبه، تأتي الكربوهيدرات المعقدة – الحبوب الكاملة، الخضروات النشوية، والبقوليات – التي تُهضم ببطء، وتمنح الجسم طاقة مستقرة، ولا تسبب القفزات والانخفاضات الحادة في مستوى السكر في الدم كما تفعل الكربوهيدرات البسيطة.

القانون الثالث: الدقة في الحساب، وليس "التقدير"
أحد أكبر الأخطاء التي يقع فيها كثير ممن يسعون لإنقاص الوزن هو الاعتماد على الحدس أو الشعور في تحديد كمية السعرات المستهلكة يوميًا. لكن الحقيقة أن الدماغ البشري ليس دقيقًا عندما يتعلق الأمر بتقدير الطعام، وغالبًا ما نستهلك أكثر مما نظن. الحل؟ الحساب الدقيق للسعرات، وعدم تجاوز 1000 سعرة حرارية يوميًا كحد أقصى لمن يريد فقدان الوزن بفعالية. قد يبدو الرقم قليلًا مقارنة بالأنظمة التقليدية، لكنه ليس حرمانًا، بل إعادة ضبط للطريقة التي يتعامل بها الجسم مع الطاقة، وإجباره على استخدام الدهون المخزنة بدلًا من الاعتماد المستمر على مدخلات جديدة من الطعام.

القانون الرابع: الصيام المتقطع أو تقليص نافذة الأكل
الهدف ليس فقط تقليل السعرات، بل تغيير إيقاع الجسم بالكامل ليصبح أكثر كفاءة في حرق الدهون. الحل المثالي؟ الصيام المتقطع، أو على الأقل تقليص نافذة تناول الطعام إلى 4 ساعات يوميًا. هذا يعني أن الجسم سيحصل على حاجته من الغذاء، لكنه سيقضي معظم اليوم في حالة حرق مستمر دون انشغال دائم بعملية الهضم. الفائدة ليست فقط في فقدان الوزن، بل في تحسين حساسية الإنسولين، وتقليل الالتهابات المزمنة، وتعزيز عمليات الإصلاح الخلوي التي لا تحدث إلا في حالات الصيام الممتد.

القانون الخامس: لا طعام قبل النوم
تناول الطعام قبل النوم هو أحد أكبر الأخطاء التي تدمر أي محاولة جادة لإنقاص الوزن. الجسم يحتاج على الأقل ساعتين إلى ثلاث ساعات من الصيام قبل النوم ليتمكن من الدخول في حالة استشفاء وتجديد، بدلاً من أن ينشغل بهضم وجبة ثقيلة تزيد من تخزين الدهون، وتسبب اضطرابات في النوم، وترفع مستويات السكر والإنسولين في الوقت الذي يجب أن يكون فيه الجسم في حالة حرق مستمر.

القاعدة الذهبية: يمكنك تناول ما تحب، لكن بحكمة
هذا النظام لا يعني حرمانًا، ولا يفرض قائمة صارمة من الممنوعات، بل يتيح لك تناول أي طعام تحبه، ولكن وفق معايير جديدة: الكمية يجب أن تكون مضبوطة، والسعرات يجب أن تبقى تحت السيطرة، والتوقيت يجب أن يكون محسوبًا، والتركيز يجب أن يكون على الخيارات الذكية التي تمنح الجسم الفائدة دون أن تدمر نتائج العمل الشاق.

وفي النهاية، لا يمكن أن يكتمل هذا النظام بدون الرياضة كنمط حياة. لأن الرياضة ليست مجرد وسيلة لحرق ما نأكله، بل هي الطريقة التي نتأكد بها أن الجسم يستخدم الطعام بالشكل الصحيح، وأن الأيض يعمل بأقصى كفاءة، وأن فقدان الوزن لا يكون مجرد "رقم على الميزان"، بل عملية متكاملة تعيد تشكيل علاقتنا مع أجسادنا، وتجعلنا أكثر وعيًا بما ندخله إليها، وأكثر تحكمًا في القرارات التي تحدد شكل حياتنا ومستقبلنا الصحي.

هل جراحات السمنة تستحق العناء؟

الجواب ليس بسيطًا. نعم، الجراحة يمكن أن تكون أداة فعالة في فقدان الوزن، لكنها ليست الحل النهائي. بدون تغيير السلوكيات، فإن الخضوع للجراحة قد لا يكون سوى خسارة للوقت والمال وزيادة في المخاطر الصحية. لذلك، قبل اتخاذ قرار الخضوع لعملية السمنة، يجب أن يسأل كل شخص نفسه: هل أنا مستعد لتغيير أسلوب حياتي، أم أنني أبحث فقط عن حل سريع لن يدوم؟